عاشوراء في الجزائر…حين تلتقي الروحانية بالهوية الثقافية

في الجزائر، لا يمرّ يوم عاشوراء كمجرد موعد ديني على التقويم الهجري، بل يتحول إلى لحظة اجتماعية وثقافية مركّبة، تتعدد فيها الطقوس وتتقاطع الأبعاد، من الروحي إلى التضامني، ومن الفلكلوري إلى السياسي أحيانًا. ورغم أن خلفية المناسبة تعود إلى أحداث تاريخية كبرى، فإن الجزائريين أعادوا تشكيلها بطريقتهم، جاعلين منها مناسبة للاحتفال، التأمل، والعطاء.

يبدو من متابعة الممارسات عاشوراء في الجزائر أن iهذه المناسبة الدينية قد تجاوزت كونها يومًا للصيام والتقوى فحسب. فهي، بالنسبة للعديد من الأسر، فرصة لصلة الرحم، وإحياء عادات تراثية ضاربة في القدم، وحتى لترسيخ روابط الانتماء المجتمعي، خصوصًا في الأحياء الشعبية والقرى. ولا تخلو المناسبة من تعبيرات طقوسية غنية: في الجنوب، تُنظم مواكب واحتفالات تستعيد رموزًا من التاريخ المحلي، وفي الشرق، تُطلق الألعاب النارية ويُوزّع الطعام، فيما تتحول عاشوراء في بعض مناطق الوسط إلى “عيد صغير” مخصص للأطفال، يتلقّون فيه الهدايا والحلويات أما في الغرب الجزائري، تُحيى عاشوراء بطابع احتفالي مميز، حيث تُنظم سهرات موسيقية تقليدية، وتُحضَّر أطباق خاصة مثل “الكسكس بالخضر الجافة”، فيما تُقدَّم الهدايا للأطفال في أجواء تشبه “عيدًا صغيرًا” عائليًا.

وفي ظل هذه التعددية، يظهر كيف استطاعت عاشوراء في الجزائر أن تتكيّف مع مختلف السياقات التاريخية والثقافية، وأن تبقى حية في الذاكرة الجمعية. فالمناسبة تعبّر، في عمقها، عن قدرة المجتمع على إعادة تأويل الدين ضمن بنيته الثقافية، وجعله مناسبًا لاحتياجاته النفسية والاجتماعية، دون أن ينفصل عن جوهره الروحي.

Exit mobile version