العمالة الماهرة.. بلد شكسبير يستورد الشعراء !

أثار إدراج مهنة “الشاعر” ضمن قائمة الوظائف المؤهلة للحصول على تأشيرة “العمالة الماهرة” في بريطانيا جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والثقافية، وفتح الباب لتساؤلات حول مفهوم “المهارة” ذاته في السياسة البريطانية الحديثة. ففي سابقة غير معتادة، أُدرج رمز المهنة 3412، الذي يشمل الشعراء والكتّاب والمترجمين، ضمن قائمة الوظائف التي تتيح للأجانب التقدّم للحصول على تأشيرة عمل، بشرط الحصول على كفالة من جهة بريطانية مرخصة.

القرار، الذي جاء في إطار مراجعات وزارة الداخلية لنظام الهجرة بعد بريكست، قوبل بردود فعل متباينة. ففي الوقت الذي اعتبره البعض بادرة انفتاح ثقافي وفرصة لاستقطاب المواهب الأدبية من مختلف أنحاء العالم، شنّ النائب المحافظ لي أندرسون هجومًا حادًا على الخطوة، متسائلًا بسخرية: “هل يعقل أن نكون بحاجة لاستيراد شعراء؟”، ومعتبرًا أن بريطانيا تمتلك تراثًا أدبيًا ضخمًا لا يستدعي “الاستعانة بمصادر خارجية”.

من جهتها، دافعت صحيفة The Independent عن القرار، ووصفت تصريحات أندرسون بأنها تعكس فهمًا ضيقًا لدور الثقافة في زمن العولمة. وكتبت في افتتاحيتها: “بالطبع يستحق الشعراء مكانًا في قائمة العمالة الماهرة، فالكلمات لا تعترف بالحدود، والإبداع ليس حكرًا على جنسية دون أخرى”. ودعت الصحيفة إلى النظر إلى القرار بوصفه فرصة لتعزيز التنوع الثقافي واللغوي في المشهد الأدبي البريطاني.

غير أن الجدل لم يتوقف عند حدود الرمزية، بل امتد إلى مناقشة الأطر العامة للسياسات الثقافية والهجرية في بريطانيا. فبينما تسعى الحكومة إلى سدّ فجوات في سوق العمل عبر جذب مهارات من الخارج، يطرح منتقدو القرار تساؤلات عن مدى قدرة النظام على التمييز بين الوظائف الإنتاجية الفعلية، وتلك التي يصعب قياسها بمعايير اقتصادية صرفة، مثل الشعر والأدب.

هكذا، يجد الشاعر نفسه في قلب نقاش بريطاني حاد: هل القصيدة وظيفة؟ وهل يمكن تقييم الإبداع ضمن معايير “الجدوى” و”الطلب المهني”؟ في بلد أنجب شكسبير، يبدو أن هذا السؤال لم يعد مجازيًا.

للإشارة يطلق مصطلح العمالة الماهرة على فئة من اليد العاملة تمتلك خبرات متخصصة أو مؤهلات مهنية أو أكاديمية، تمكّنها من أداء مهام تتطلب قدرًا من المهارة أو الإبداع أو المعرفة التقنية. وتشمل هذه الفئة مهنًا مثل المهندسين، الأطباء، الحرفيين، المطورين، وحتى الفنانين والكتّاب في بعض الأنظمة التي تعترف بالمهن الإبداعية كمهارات اقتصادية.

وفي السياق البريطاني، تُستخدم “قائمة العمالة الماهرة” لتحديد المهن التي تعاني من نقص في اليد العاملة داخل المملكة المتحدة، وتُمنح الأفضلية لحاملي التأشيرات في هذه المجالات، ضمن نظام الهجرة القائم على النقاط.

Exit mobile version