من الجزائر إلى فلسطين: هل تسير إسرائيل على خطى فرنسا ؟

يتناول المقال المنشور في Middle East Monitor بتاريخ 27 مارس 2025، أوجه التشابه بين السياسات الاستعمارية الفرنسية في الجزائر خلال القرن العشرين، والممارسات الإسرائيلية الحالية تجاه الفلسطينيين.

خلال احتلالها للجزائر، اعتمدت فرنسا على سياسات قمعية مكثفة، أبرزها مجازر سطيف وقالمة وخراطة عام 1945، حيث قُتل عشرات الآلاف من الجزائريين الذين خرجوا للمطالبة بالاستقلال. لكن بدلاً من تحقيق الاستقرار، أدى القمع الوحشي إلى تأجيج الغضب الشعبي، مما أسهم في اندلاع حرب التحرير الجزائرية (1954-1962) التي أجبرت فرنسا في النهاية على الاعتراف باستقلال الجزائر.

و اشار االمقال ان إحدى أبرز المقارنات تكمن في الدعم الدولي. فكما كانت فرنسا تُعتبر قوة استعمارية شرعية لفترة طويلة قبل أن تتغير المعادلة مع تصاعد الدعم لحركات التحرر، تواجه إسرائيل اليوم تحديات دبلوماسية متزايدة مع تغير مواقف بعض الدول تجاه القضية الفلسطينية.

إضافة إلى ذلك، يشير تحليل التاريخ إلى أن الاحتلال طويل الأمد، حتى لو بدا ناجحًا عسكريًا في بعض الفترات، فإنه غالبًا ما ينتهي بتكلفة سياسية وبشرية عالية للطرف المهيمن. في الحالة الفرنسية، أدى استمرار الاستعمار إلى عزلة دولية، استنزاف اقتصادي، وانقسامات داخلية، وهو ما قد يشكل تحديات مماثلة لإسرائيل إذا استمرت في نفس النهج.

ختامًا، يبرز تساؤل أساسي: هل تستفيد إسرائيل من دروس الماضي، أم أنها تكرر أخطاء القوى الاستعمارية السابقة؟ تجربة فرنسا في الجزائر تشير إلى أن القمع ليس استراتيجية دائمة النجاح، وأن إرادة الشعوب غالبًا ما تنتصر في النهاية.

النص المترجم

على إسرائيل أن تلاحظ ما حدث لفرنسا عندما حاولت إخضاع الجزائر من خلال مجازر ضد سكانها الأصليين.

رسومات طفولية استُخدمت “لتوضيح” الحاجة إلى خضوع المسلمين العرب والبربر الأصليين أو موتهم خلال الاحتلال الفرنسي للجزائر. تم لصق ملصقات في القرى المهددة بالتدمير تحتوي على صور مرسومة لمدرسة وعلم ثلاثي الألوان، بجانب صورة لأم أرملة مع طفلها، وجثة دامية، ومنزل محترق. كان الخيار النفسي واضحًا: إما قبول “السلام وحماية فرنسا”، أو مواجهة العواقب المميتة.

إذا بدا هذا المنطق الوحشي مألوفًا اليوم، فذلك لأن إسرائيل تستخدمه لمحاولة “إضفاء الشرعية” على المجازر الجماعية ضد الفلسطينيين. قُتل أكثر من 50,000 فلسطيني—من بينهم العديد من النساء والأطفال—وجُرح عشرات الآلاف خلال الأشهر الـ 17 الماضية فقط. كل الأدلة تشير إلى إبادة جماعية كاملة، حيث تحاول إسرائيل تطهير الأراضي التي تطمع بها تحت غطاء “الدفاع عن النفس”.

تحويل غزة، وأيضًا الضفة الغربية بشكل متزايد، إلى ساحة معركة دائمة جاء بعد هجوم مسلح قادته حماس في 7 أكتوبر 2023، حيث اقتحم مسلحون فلسطينيون 119 موقعًا، بما في ذلك منشآت عسكرية ومستعمرات إسرائيلية.

قُتل ما يقارب 1,200 إسرائيلي، من بينهم مدنيون غير مسلحين بالإضافة إلى جنود وضباط شرطة وأعضاء في جهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، وكثير منهم قُتل على يد الجيش الإسرائيلي نفسه. في المقابل، قُتل 1,609 من المقاتلين الفلسطينيين—أي أكثر من الضحايا الإسرائيليين بـ 409 شخصًا—في نفس اليوم، حيث تم القضاء عليهم فورًا باستخدام أسلحة إسرائيلية متطورة، والتي تسببت أيضًا في مقتل إسرائيليين بسبب ما يُعرف بـ “إجراء هانيبال”، وهو توجيه مثير للجدل يسمح للقوات الإسرائيلية بقتل جنودها إذا كان ذلك يمنع أسرهم.

جرائم الحرب والمجازر
شهدت مجتمعات مثل كيبوتس “بئيري”، الذي تأسس عام 1946، عمليات قتل للسكان، ولكن الادعاءات الأولية حول اغتصاب الفتيات وقتل الأطفال والنساء الحوامل هناك تبيّن أنها مختلقة. ومع ذلك، لا تزال إسرائيل تستخدم هذه الروايات لتبرير حملاتها العسكرية الدموية في غزة والضفة الغربية.

لم تعر إسرائيل أي اهتمام لقرارات محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، التي تشير إلى ارتكابها إبادة جماعية، كما لم تتوقف المجازر حتى مع إصدار مذكرات توقيف بحق كبار السياسيين الإسرائيليين.

التاريخ يعيد نفسه؟
الصراع غير المتكافئ بين إسرائيل والفلسطينيين يشبه إلى حد كبير الحرب الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي. فكما حدث في الجزائر، تطلبت الهيمنة الإسرائيلية امتثال الجميع، أو مواجهة العقاب الجماعي.

في عام 1830، تعرضت الجزائر لغزو فرنسي أدى إلى احتلالها، وقال الحاكم العام الأول للجزائر، المارشال توماس بوجو، أمام البرلمان الفرنسي: “حيثما توجد مياه عذبة وأراضٍ خصبة، يجب إقامة المستعمرين هناك، دون الاكتراث بمن يملك هذه الأراضي.”

القمع الفرنسي والمقاومة الجزائرية
نظر المستعمرون الفرنسيون إلى السكان المحليين على أنهم أقل شأنًا، واستخدموا أساليب وحشية لقمع المقاومة، بما في ذلك أول غرف غاز بدائية في العالم، حيث تم حبس السكان في الكهوف وضخ الغازات السامة لخنقهم.

لكن كما في فلسطين، لم تمر هذه الفظائع دون مقاومة، حيث تأسس جبهة التحرير الوطني الجزائرية عام 1954، لتقود كفاحًا ناجحًا انتهى بالاستقلال عام 1962.

هل تواجه إسرائيل المصير نفسه؟
على الرغم من القوة العسكرية والتكنولوجيا الحديثة التي استخدمتها فرنسا، لم تستطع هزيمة المقاومة الجزائرية. وعندما أدركت أنها لن تتمكن من دمج السكان العرب والبربر في نظامها، فقدت القدرة على استمرار حكمها عبر الحرب الدائمة، مما أدى إلى انسحابها من الجزائر بعد 132 عامًا من الاحتلال.

إذا استمرت إسرائيل في مساعيها لإنكار وجود الفلسطينيين والسعي إلى إبادتهم أو تهجيرهم، فقد تجد نفسها في موقف مشابه لما واجهته فرنسا في الجزائر، حيث يصبح الضغط الدولي والداخلي أكبر من أن تتحمله.

Exit mobile version