بعد ذروة النجاح سنة للفيلم الشهيرAvengers: Endgame ، سنة 2019 بدأت أفلام شركة “مارفل” التالية تحقق نتائجا أقل بكثير من التوقعات، سواء تجاريا أو نقديا، تلاها فيلم Ant-Man and the Wasp: Quantumania سنة 2023الذي فشل في تحقيق أرباح حقيقية، رغم ميزانيته التي تجاوزت 200 مليون دولار، إضافة إلى فيلم The Marvels إنتاج سنة 2023 ، فقد سجل أحد أسوأ افتتاحيات في تاريخ مارفل، محققًا أقل من 210 مليون دولار عالميا، مقابل ميزانية قُدرت بأكثر من 270 مليون دولار
هذا التراجع لا يعود فقط إلى عامل فني ، بل إلى سلسلة من الأسباب المتراكبةأبرزها تشبّع الجمهور من الصيغة المتكررة لأفلام الأبطال الخارقين، وتشتّت السرد الدرامي بعد نهاية الخطّ الرئيسي الذي قادته شخصيات مثل “توني ستارك” و”كابتن أمريكا” وأيضا الاضطرابات الداخلية مثل قضية الممثل “جوناثان ماجورز” وتعقيدات التوسع عبر منصة Disney+ التي أرهقت الجمهور أكثر مما جذبتهم.
وفي العمق، تعكس هذه الأزمة تحولًا في المزاج الثقافي الأمريك، فبعد سنوات من الهيمنة المطلقة للخيال الخارق، بدأ الجمهور يعود تدريجيا إلى الدراما الواقعية والقصص الإنسانية، حيث تتقاطع المشاعر مع الهشاشة، لا الانفجارات مع الليزر.
إن عودة الإقبال على الأعمال التي تتناول العائلة و الهويّة و التهميش، أو حتى الجرائم الحقيقية، تشير إلى حاجة متزايدة لدى الجمهور للتماس مع واقع ملموس، لا عوالم افتراضية.
ولعل الأهم أن شركة “مارفل” تمرّ بأزمة تمسّ الخيال السياسي الأمريكي نفس، ففي لحظات التراجع أو الهزيمة، كانت هوليوود دائمًا ما تتدخل لإعادة ترميم صورة القوة الأمريكية عبر الشاشة، فبعد هزيمة فيتنام، فقدت الولايات المتحدة الثقة في جيشها، فجاء “رامبو” في الثمانينيات كبطل خارق رمزي أو الجندي الذي لا يموت، أين يُهين جيشا كاملا، ويستعيد “الكرامة الوطنية” بالرصاص والانفجارات.
نفس المنطق تجدد في عصر ما بعد 11 سبتمبر، عندما عادت أمريكا إلى فكرة البطل الخارق، ولكن هذه المرة وعبر Avengers رُسم تحالف دولي تقوده أمريكا، ينقذ الأرض وأحيانًا الكون من قوى خارقة شريرة، في تكرار رمزي لفكرة “حرب النجوم” التي أطلقها الرئيس ريغن في الثمانينيات، في صورة مشروع عسكري فعلي، لكنه كان أيضا حلما ثقافيا بهيمنة لا محدودة.
ويزداد هذا التراجع وضوحًا حين ندرك أن الغرب المعاصر، وقد فقد رموزه التاريخية التقليدية وقادته الملهمين، لجأ إلى السينما ليخترع أبطالًا من الخيال يعوّض بهم ذلك الفراغ الرمزي والسياسي. فـ”كابتن أمريكا”، “سوبرمان”، و”آيرون مان” ليسوا مجرد شخصيات، بل رموز بديلة في ثقافة تبحث عن معنى مفقود، وزعامة مصطنعة أمام واقع متغيّر.
لكن في عالم اليوم، ومع تراجع النفوذ الأمريكي، وصعود قوى مثل الصين، واستنزاف القوة الناعمة في قضايا مثل أوكرانيا، فلسطين، وإيران، لم تعد سردية “البطل الأمريكي المنقذ” تقنع الجيل الجديد، لأن البطل الخارق لم يعد خارقا، بل متعبًا، وربما غير مرغوب فيه.