معسكرات الاعتقال، من الجزائر إلى فلسطين

في تحليل جريء ومفصّل، يقارن موقع Orient XXI بين ممارسات الاحتلال الإسرائيلي اليوم في فلسطين وبين السياسات الاستعمارية الفرنسية في الجزائر خلال حرب التحرير. يتتبع التقرير أوجه التشابه بين إعلان الاحتلال إسرائيل عن “مناطق عبور إنسانية” وما عرفته الجزائر خلال الخمسينيات من “معسكرات التجميع”، مبرزًا منطق العقاب الجماعي، التجريد من الإنسانية، والهوس الاستعماري بالسيطرة الكاملة على السكان. وبينما تسوّق إسرائيل هذا النموذج على أنه حلّ إنساني، يرى مؤرخو الاستعمار أنه إعادة إنتاج حرفي لأسوأ ما شهده القرن العشرون من سياسات تطهير ونقل قسري للسكان. التقرير يدق ناقوس الخطر من انزلاق دولة الاحتلال إلى تكتيكات إبادة مُمأسسة، تتخطى حتى ما عرفته فرنسا تحت ضغط الرقابة الدولية.

وقال التقرير إن ما يجري اليوم في قطاع غزة من تجميع قسري وتهجير ممنهج للمدنيين الفلسطينيين، تحت غطاء ما يسمى بـ”مناطق العبور الإنسانية”، يعيد إلى الأذهان سياسات استعمارية مماثلة اعتمدتها فرنسا في الجزائر خلال حربها ضد جبهة التحرير الوطني. ولفت التقرير إلى أن هذه الممارسات تستند إلى فلسفة واحدة: معاقبة السكان جماعيًا، وتجريدهم من إنسانيتهم، وفرض سيطرة تامة على أجسادهم وعقولهم باسم “مكافحة الإرهاب” أو “نزع التطرف”.

كما شدد التقرير على أن اللغة المستخدمة في الخطاب العبري اليوم مثل “التصفية”، “إعادة التأهيل”، و”الفرز” ليست جديدة، بل هي صدى لمفردات استعمارية فرنسية ظهرت في خمسينيات القرن الماضي. وأضاف أن هذه المعسكرات التي تسعى إسرائيل لإقامتها ليست سوى تجسيد معاصر لمعسكرات التجميع التي أنشأها الاحتلال الفرنسي، والتي أدت إلى كارثة إنسانية راح ضحيتها آلاف الجزائريين، خاصة من الأطفال والنساء.

وأشار التقرير إلى أن الفارق الجوهري، رغم التشابه الكبير في الأساليب، هو أن فرنسا كانت تتعرض حينها لضغوط من المجتمع الدولي والرأي العام الداخلي، ما كان يُجبرها على إخفاء ممارساتها أو التخفيف منها، بينما لا تواجه إسرائيل اليوم القيود ذاتها، بل تمضي في مشروعها الاستيطاني والإبادي تحت مظلة دعم سياسي وعسكري غربي، وعلى رأسه الولايات المتحدة.

وختم التقرير بالتأكيد على أن الهدف النهائي من هذه السياسات هو محو وجود الشعب الفلسطيني، كما كان الحال مع محاولات فرنسا طمس الهوية الجزائرية، مشددًا على أن التاريخ، وإن اختلفت تفاصيله، يعيد نفسه تحت أشكال أكثر عنفًا ووقاحة.
Orient XXI هو موقع إعلامي فرنسي أُطلق سنة 2013، يُعنى بتقديم تحليلات معمّقة ومقالات رأي حول قضايا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والعالم الإسلامي، من منظور نقدي وتاريخي. يضم الموقع مجموعة من الصحفيين، الباحثين، والكتاب المتخصصين في الشؤون الجيوسياسية والاجتماعية للمنطقة، ويهدف إلى تقديم سرديات مغايرة للسرديات الغربية السائدة، مع التركيز على تفكيك الصور النمطية وتقديم رؤى بديلة تُراعي تعقيدات الواقع المحلي. ينشر الموقع محتواه بعدة لغات، من بينها الفرنسية والعربية والإنجليزية، ويُعرف بتقاريره المعمقة التي تستند إلى تحليل تاريخي وسياسي موسع.

Exit mobile version